كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن أبي عبلة برفع {أشحة} والمراد هنا: أنهم أشحة على الغنيمة يشاحون المسلمين عند القسمة، قاله يحيى بن سلام.
وقيل: على المال أن ينفقوه في سبيل الله.
قاله السديّ.
ويمكن أن يقال معناه: أنهم قليلو الخير من غير تقييد بنوع من أنواعه، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الموصوفين بتلك الصفات {لَمْ يُؤْمنُوا} إيمانًا خالصًا بل هم منافقون، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر {فَأَحْبَطَ الله أعمالهم} أي أبطلها بمعنى أظهر بطلانها لأنها لم تكن لهم أعمال تقتضي الثواب حتى يبطلها الله.
قال مقاتل: أبطل جهادهم لأنه لم يكن في إيمان {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسيرًا} أي وكان ذلك الإحباط لأعمالهم، أو كان نفاقهم على الله هينًا.
{يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُوا} يحسب هؤلاء المنافقون لجبنهم أن الأحزاب باقون في معسكرهم لم يذهبوا إلى ديارهم، وذلك لما نزل بهم من الفشل والروع {وَإن يَأْت الأحزاب} مرة أخرى بعد هذه المرة {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الأعراب} أي يتمنون أنهم في بادية الأعراب لما حلّ بهم من الرهبة، والبادي خلاف الحاضر، يقال: بدا يبدو بداوة إذا خرج إلى البادية {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائكُمْ} أي عن أخباركم وما جرى لكم، كل قادم عليهم من جهتكم.
أو يسأل بعضهم بعضًا عن الأخبار التي بلغته من أخبار الأحزاب ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمعنى: أنهم يتمنون أنهم بعيد عنكم يسألون عن أخباركم من غير مشاهدة للقتال لفرط جبنهم وضعف نياتهم {وَلَوْ كَانُوا فيكُمْ مَّا قَاتَلُوا إلاَّ قَليلًا} أي لو كانوا معكم في هذه الغزوة مشاهدين للقتال ما قاتلوا معكم إلا قتالًا قليلًا خوفًا من العار وحمية على الديار.
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي قدوة صالحة، يقال: لي في فلاة أسوة، أي لي به، والأسوة من الائتساء، كالقدوة من الاقتداء: اسم يوضع موضع المصدر.
قال الجوهري: والأسوة والإسوة بالضم والكسر، والجمع أسى وإسى.
قرأ الجمهور {أسوة} بالضم للهمزة، وقرأ عاصم بكسرها، وهما لغتان كما قال الفراء وغيره.
وفي هذه الآية عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لقد كان لكم في رسول الله حيث بذل نفسه للقتال وخرج إلى الخندق لنصرة دين الله أسوة، وهذه الآية وإن كان سببها خاصًا، فهي عامة في كل شيء، ومثلها: {مَا آتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7]، وقوله: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحبُّونَ الله فاتبعوني يُحْببْكُمُ الله} [آل عمران: 31]، واللام في {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} متعلق ب {حسنة} أو بمحذوف هو صفة ل {حسنة} أي كائنة لمن يرجو الله.
وقيل: إن الجملة بدل من الكاف في لكم، وردّه أبو حيان وقال: إنه لا يبدل من ضمير المخاطب بإعادة الجار.
ويجاب عنه بأنه قد أجاز ذلك الكوفيون والأخفش وإن منعه البصريون، والمراد ب {من كان يرجو الله} المؤمنون؛ فإنهم الذين يرجون الله ويخافون عذابه، ومعنى يرجون الله: يرجون ثوابه أو لقاءه، ومعنى يرجون اليوم الآخر: أنهم يرجون رحمة الله فيه، أو يصدقون بحصوله وأنه كائن لا محالة، وهذه الجملة تخصيص بعد التعميم بالجملة الأولى {وَذَكَرَ الله كَثيرًا} معطوف على {كان} أي ولمن ذكر الله في جميع أحواله ذكرًا كثيرًا، وجمع بين الرجاء لله والذكر له، فإن بذلك تتحقق الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم بيّن سبحانه ما وقع من المؤمنين المخلصين عند رؤيتهم للأحزاب، ومشاهدتهم لتلك الجيوش التي أحاطت بهم كالبحر العباب فقال: {وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب قَالُوا هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} الإشارة بقوله: {هذا} إلى ما رأوه من الجيوش، أو إلى الخطب الذي نزل والبلاء الذي دهم، وهذا القول منهم قالوه استبشارًا بحصول ما وعدهم الله ورسوله من مجيء هذه الجنود، وإنه يتعقب مجيئهم إليهم نزول النصر والظفر من عند الله، وما في: {ما وعدنا الله} هي الموصولة، أو المصدرية، ثم أردفوا ما قالوه بقولهم: {وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} أي ظهر صدق خبر الله ورسوله {وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْليمًا} أي ما زادهم ما رأوه إلا إيمانًا بالله وتسليمًا لأمره.
قال الفراء: ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلا إيمانًا وتسليمًا.
قال عليّ بن سليمان: {رأى} يدل على الرؤية وتأنيث الرؤية غير حقيقي، والمعنى: ما زادهم الرؤية إلا إيمانًا للرب وتسليمًا للقضاء، ولو قال: ما زادتهم لجاز.
{مّنَ المؤمنين رجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عَلَيْه} أي من المؤمنين المخلصين رجال صدقوا أتوا بالصدق، من صدقني إذا قال الصدق، ومحل {ما عاهدوا الله عليه} النصب بنزع الخافض، والمعنى: أنهم وفوا بما عاهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة من الثبات معه، والمقاتلة لمن قاتله، بخلاف من كذب في عهده، وخان الله ورسوله وهم المنافقون.
وقيل: هم الذين نذروا أنهم إذا لقوا حربًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا له ولم يفروا، ووجه إظهار الاسم الشريف، والرسول في قوله: {صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} بعد قوله: {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} هو قصد التعظيم كما في قول الشاعر:
أرى الموت لا يسبق الموت شيء. وأيضًا لو أضمرهما، لجمع بين ضمير الله وضمير رسوله في لفظ واحد.
وقال: صدقا، وقد ورد النهي عن جمعهما كما في حديث: «بئس خطيب القوم أنت» لمن قال: ومن يعصهما فقد غوى.
ثم فصل سبحانه حال الصادقين بما وعدوا الله ورسوله وقسمهم إلى قسمين فقال: {فَمنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ وَمنْهُمْ مَّن يَنتَظرُ} النحب: ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به، ومنه قول الشاعر:
عشية فرّ الحارثيون بعد ما ** قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر

وقال الآخر:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا ** عشية بسطام جرين على نحب

أي على أمر عظيم.
والنحب يطلق على النذر والقتل والموت.
قال ابن قتيبة: قضى نحبه أي قتل وأصل النحب: النذر.
كانوا يوم بدر نذروا إن لقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا، أو يفتح الله لهم فقتلوا، فقيل: فلان قضى نحبه، أي قتل، والنحب أيضًا الحاجة وإدراك الأمنية، يقول قائلهم: مالي عندهم نحب، والنحب: العهد، ومنه قول الشاعر:
لقد نحبت كلب على الناس أنهم ** أحقّ بتاج الماجد المتكرّم

وقال آخر:
قد نحب المجد علينا نحبا

ومن ورود النحب في الحاجة وإدراك الأمنية قول الشاعر:
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل

ومعنى الآية: أن من المؤمنين رجالًا أدركوا أمنيتهم، وقضوا حاجتهم ووفوا بنذرهم فقاتلوا حتى قتلوا، وذلك يوم أحد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر {وَمنْهُمْ مَّن يَنتَظرُ} قضاء نحبه حتى يحضر أجله كعثمان بن عفان وطلحة والزبير وأمثالهم، فإنهم مستمرّون على الوفاء بما عاهدوا الله عليه من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتال لعدوّه، ومنتظرون لقضاء حاجتهم وحصول أمنيتهم بالقتل، وإدراك فضل الشهادة، وجملة: {وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلًا} معطوفة على صدقوا، أي ما غيروا عهدهم الذي عاهدوا الله ورسوله عليه كما غير المنافقون عهدهم، بل ثبتوا عليه ثبوتًا مستمرًا، أما الذين قضوا نحبهم فظاهر، وأما الذين ينتظرون قضاء نحبهم فقد استمروا على ذلك حتى فارقوا الدنيا ولم يغيروا ولا بدّلوا.
واللام في قوله: {لّيَجْزيَ الله الصادقين بصدْقهمْ} يجوز أن يتعلق ب {صدقوا} أو ب، أو ب {ما بدلوا} أو بمحذوف، كأنه قيل: وقع جميع ما وقع ليجزي الله الصادقين بصدقهم {وَيُعَذّبَ المنافقين إن شَاء} بما صدر عنهم من التغيير والتبديل، جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء، وأرادوها بسبب تبديلهم وتغييرهم، كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم، فكل من الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب، فكأنهما استويا في طلبها والسعي لتحصيلها، ومفعول {إن شاء} وجوابها محذوفان، أي إن شاء تعذيبهم عذبهم، وذلك إذا أقاموا على النفاق ولم يتركوه ويتوبوا عنه {إنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحيمًا} أي لمن تاب منهم، وأقلع عما كان عليه من النفاق.
ثم رجع سبحانه إلى حكاية بقية القصة، وما امتنّ به على رسوله والمؤمنين من النعمة فقال: {وَرَدَّ الله الذين كَفَرُوا} وهم الأحزاب، والجملة معطوفة على {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهمْ ريحًا} أو على المقدّر عاملًا في {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} كأنه قيل: وقع ما وقع من الحوادث وردّ الله الذين كفروا، ومحل {بغَيْظهمْ} النصب على الحال، والباء للمصاحبة، أي حال كونهم متلبسين بغيظهم ومصاحبين له، ويجوز أن تكون للسببية، وجملة: {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} في محل نصب على الحال أيضًا من الموصول، أو من الحال الأولى على التعاقب، أو التداخل.
والمعنى: أن الله ردّهم بغيظهم لم يشف صدورهم ولا نالوا خيرًا في اعتقادهم، وهو الظفر بالمسلمين، أو لم ينالوا خيرًا أيّ خير، بل رجعوا خاسرين لم يربحوا إلا عناء السفر وغرم النفقة {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} بما أرسله من الريح والجنود من الملائكة {وَكَانَ الله قَويًّا عَزيزًا} على كل ما يريده إذا قال له: كن، كان، عزيزًا غالبًا قاهرًا لا يغالبه أحد من خلقه ولا يعارضه معارض في سلطانه وجبروته.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {سَلَقُوكُم} قال: استقبلوكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه: {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسيرًا} قال: هينًا.
وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر وابن النجار عن عمر في قوله: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} قال: في جوع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استدلّ بهذه الآية جماعة من الصحابة في مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة، وهي خارجة عما نحن بصدده.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب} إلى آخر الآية قال: إن الله قال لهم في سورة البقرة: {أَمْ حَسبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجنة وَلَمَّا يَأْتكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قَبْلكُم مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء} [البقرة: 214] فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق {قَالُوا هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} فتأوّل المسلمون ذلك، فلم يزدهم {إلاَّ إيمَانًا وَتَسْليمًا}.
وأخرج البخاري وغيره عن أنس قال: نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر: {مّنَ المؤمنين رجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عَلَيْه}.
وأخرج ابن سعد وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي، والبغوي في معجمه، وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال: أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد، ليرينّ الله ما أصنع، فشهد يوم أحد، فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو وأين؟ قال: واهًا لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، ونزلت هذه الآية: {رجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عَلَيْه} وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه.
وقد روي عنه نحوه من طريق أخرى عند الترمذي وصححه والنسائي وغيرهما.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مرّ على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له، ثم قرأ: {مّنَ المؤمنين رجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عَلَيْه} الآية، ثم قال: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردّوا عليه»، وقد تعقب الحاكم في تصحيحه الذهبي، كما ذكر ذلك السيوطي، ولكنه قد أخرج الحاكم حديثًا آخر وصححه.
وأخرجه أيضًا البيهقي في الدلائل عن أبي ذرّ قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مرّ على مصعب بن عمير مقتولًا على طريقه، فقرأ: {مّنَ المؤمنين رجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عَلَيْه} الآية وأخرج ابن مردويه من حديث خباب مثله، وهما يشهدان لحديث أبي هريرة.
وأخرج الترمذي وحسنه، وأبو يعلى وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن طلحة: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابيّ جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد فقال: «أين السائل عمن قضى نحبه؟» قال الأعرابي: أنا، قال: «هذا ممن قضى نحبه» وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من حديثه نحوه.
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طلحة ممن قضى نحبه» وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى وأبو نعيم وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سرّه أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة» وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله.
وأخرج ابن منده وابن عساكر من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه.
وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن عليّ، أن هذه الآية نزلت في طلحة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس {فَمنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} قال: الموت على ما عاهدوا الله عليه، ومنهم من ينتظر الموت على ذلك.
وأخرج أحمد والبخاري وابن مردويه عن سليمان بن صرد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: «الآن نغزوهم ولا يغزونا» وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله: {فَمنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} قال: مات على ما هو عليه من التصديق، والإيمان {وَمنْهُمْ مَّن يَنتَظرُ} ذلك {وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلًا} لم يغيروا كما غير المنافقون.
قوله: {وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم مّنْ أَهْل الكتاب} أي عاضدوهم وعاونوهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بنو قريظة؛ فإنهم عاونوا الأحزاب ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاروا يدًا واحدة مع الأحزاب.
والصياصي جمع صيصية: وهي الحصون، وكل شيء يتحصن به يقال له: صيصية، ومنه صيصية الديك، وهي الشوكة التي في رجله، وصياصي البقر قرونها؛ لأنها تمتنع بها، ويقال: لشوكة الحائك التي يسوّي بها السداة واللحمة: صيصية، ومنه قول دريد بن الصمة:
فجئت إليه والرماح تنوشه ** كوقع الصياصي في النسيج الممدد

ومن إطلاقها على الحصون قول الشاعر:
فأصبحت الثيران صرعى وأصبحت ** نساء تميم يبتدرن الصياصيا